الخميس، 29 نوفمبر 2018

الغباء السياسي  لــ  محمد توفيق


۸۰ مليونا دفعوا ثمن هذا الكتاب لكنهم لم يقروه
الشعب المصري بكل تياراته، وفئاته، وطوائفه دفع الثمن. البعض دفع حياته، والبعض دفع حريته، والبعض دفع عقله، والبعض دفع عمله والبعض دفع عزلته، والبعض دفع غربته، والبعض دفع آماله، والبعض دفع ماله. الكل دفع الثمن لكن شيئا لم يتغير؛ لأن القانون يحمي المغفلين إذا صاروا حكاما |
وقتها تصبح أدلة الإدانة هي نفسها حيثيات البراءة، ويخرج المتهم من القضية لعدم كفاية الأدلة، ويدفع المجني عليه أتعاب المحاماة؛ رغم أن الجميع كان شاهدا على ما حدث. لكنها ضريبة الغباء السياسي الذي
ظل حاكما و متحكما و مسيطرا و متصدرا المشهد السياسي بطول التاريخ وعرضه. ورغم الحديث الدائم عن نظرية المؤامرة والطرف الثالث، فإني بعد بحث طويل وقراءة متأنية في كتب التاريخ تأكدت أن ظهور الطرف الثالث سيبه غباء الطرف الأول، وإنه إذا كانت هناك مؤامرة ما كانت تستطيع أن تحقق أهدافها لولا "الغباء السياسي" هذا المصطلح الذي صکه

الرئيس السادات، وخلده أحمد زكي في "أيام السادات" لكن خلف هذا التعبير قصة حدثت في ۲ أبريل عام ۱۹۷۹ عندما ذهب ثلاثة من رجال عبد الناصر إلى جلسة "تحضير أرواح" لاستشارة الجن في مستقبلهم السياسيا
الثلاثة هم: الفريق محمد فوزي وزير الحربية الأسبق، واللواء شعراوي جمعة وزير الداخلية الأسبق، وسامي شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر . وقد تم تسجيل الجلسة!

وما حدث في ۲ أبريل تكرر في 4 مايو من نفس العام، وتم تسجيله أيضا. ويومها قام الرئيس السادات بإرسال التسجيلات في منتصف الليل مع أبنته إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل، لينشر نص التسجيلات التي تدين رجال عبد الناصر في جريدة "الأهرام"، لكن هیکل تردد في نشرهای وذهب إلى المفكر الكبير توفيق الحكيم ليطلعه عليها.
ويروي هيكل تفاصيل ما جرى بقوله: أعطيت توفيق الحكيم جلسنين من جلسات تحضير الأرواح منقولة بالحرف على الورق كما نطقت بها أصوات أصحابها على أشرطة التسجيل المغناطيسية. وقرأ توفيق الحكيم ثم قال لي "لو أنني كتبت مثل هذا في رواية لاتهمني الناس بأنتي شربت نهر الجنون إلى آخر قطرة" ثم شرد لدقيقة مع خواطره، وعاد يقول "إنتي مع النشر .. إن أسبايك للنشر أقوى من أسبابك في الامتناع عنه" هنا قرر هيكل النشر، قد تصدق الواقعة، وقد ترى أن التسجيلات مختلفة، لكن الثابت الوحيد أن لدينا على هذه التسجيلات شاهدين هما: توفيق الحكيم ومحمد حسنين هيكل، وهناك ثلاثة أسباب تؤيد صحة هذه الواقعة
أولها أن الرئيس السادات اختار هيكل دون غيره ليرسل إليه

التسجيلات التي ستكون مبرزا في تصفية رجال عبد الناصر، وذلك قبل أن يصلا إلى مفترق الطرق في عام 1974
ثانيها- أن الأستاذ هيكل اختار توفيق الحكيم ليكون شاهدا على التسجيلات، رغم أنه بعد عام واحد فقط من نشر التسجيلات صار كلاهما طرفا في معركة كبيرة بسبب هجوم الحكيم علي عبد الناصر في كتابه "عودة الوعي"، ويومها وقف هيكل ضده وهاجمه، وقال عنه "لم يكن هناك أسبق منه إلى حرق البخور أمام عبد الناصر"!
ثالثها- أن الدجال (وكان يعمل أستاذا جامعيال) الذي ذهبوا إليه أوحي إليهم بأن يتقدموا باستقالاتهم، بهدف عمل فراغ دستوريا ليضعوا السادات في مأزق يضطر بعده إلى الرضوخ لهم، وقد فعلوا ذلك بالفعل في 15 مايو، أي بعد الجلسة الثانية لتحضير الأرواح ۱۱ يوما فقط. لكن العراف لم ينفعهم، فالسادات مثلما استطاع أن يخترق الجلسة بوضع أجهزة "التنشت" في حضرة ملك الجن، يبدو أنه "شد" العراق نفسه، لينصحهم بتقديم استقالاتهم التي كان في انتظارها، فقبلها على الفور، وأصدر قرارا باعتقالهم، وبرر ذلك بعبارته الشهيرة "ول المفروض يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي"!


التحميل من هنــــــــــــــا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق