الخميس، 17 ديسمبر 2015

صديقتي الأربعين !
محمد عبدالرحمن الرغيان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تمر الأيام وتعبر الشهور وتمضي السنون !
ذاك يوم يعلن مغيبه ، وذاك شهر ينقضي هلاله ، وتلك سنة تودع أخراها !
تتساقط الأعوام ، وتتهاوى السنين ، وتنقلب الموازين ، وتتغير الأحوال ، وتتبدل الأوضاع .
الصغير يتمنى أن يكون كبيراً والكبير يحلم أن يعود صغيرا ! ما كان بالأمس بعيد المنال غدا اليوم قريبا ، كل شيء تغير ! كل حال تبدلت ! لكن الحقائق ثابتة مستقرة كثبوت الجبال وكاستقرار البحار !
في لحظة سكون بدأت أقلب ذاكرتي فيمن حولي من أصدقاء وأقرباء في أعمارهم وتاريخ سنيهم ، فألفيت عجباً وعجبت فرقاً!
إنهم يتقاربون في سنوات حياتهم ، ويتقاذفون الأربعين فيما بينهم ، كلٌ يشيح بوجهه عن نطق الأربعين من أعمارهم .
إنها الأربعون - رفقاء الدرب - صحاب العمر - إنها سنوات الرشد واكتمال العقل ! بها الإنسان يكون راشدا ، تكتمل قوته ويشتد عوده ، ويعظم أمره !
أحسنوا بها الظن ، وهيؤوا لهاالاستقبال !
أربعون عاماً مضى من عمرك ، تنقلت بين مراحل الحياة ، رضيعاً حيناً وطفلاً حيناً ويافعاً زمناً طويلاً ، ثم رجلاً شامخاً يشد بك العزم ، وتسند لك عظائم الأمور !
قد بلغت من العمر مراحل القوة ، وتجاوزت مراحل الضعف ،فأقبلت عليك الأربعون بكل رزانتها وعظائمها منذرةً ومحذرةً !
قد مضى بها أكثر من ثلثي عمرك ، بتقدير أعمار أمتنا ، فهي بين الستين إلى السبعين ،
فلم يبق من عمرك إلا الثلث ! فهل استشعرت ذلك ، أو ألقيت له بالاً ، أو أبصرت فيه تأملا !
إن أعمارنا راحلة ، وستحط بنا يوماً المسير !
إنك تعيش في بقايا حياة ! وتسكن في بقايا زوايا !
إنها الحقيقة التي لا نريد أن نصدقها ، والواقع الذي لا نريد أن نحس به .
فات من أعمارنا الكثير ، وأظن ما بقي أقل من ما مضى !!
لماذا نتظاهر دائماً بالنسيان وندعي التغافل !
هل نستطيع أن نتماسك ونجمع قوتنا ونتذكر هذه الحقيقة وهذا الخطب ، لندع عنا التصابي والتشبب ! فما فات كفى ، ولنتعظ بمن أجله انتهى ، وأقبل على مولاه !
أيها الصديق العزيز ! وأيها القريب الغالي ! وأيها القارئ الفطن ! يا من في الأربعين يتقلب وفي الخيرات يتنعم ، إنها الأربعون نعم النذير ونعم البشير ، تنذرك أن عمرك طال ، وتبشرك أن عقلك اكتمل .
نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث بعد أن تم الأربعين ، ومات وهو في الثالثة والستين ، ثلاث وعشرون سنة بعد الأربعين .
سنيات قليلة تمكثها بعد سن الرشد ، فهل نجعل للرشد طريقاً، ونجعل للعقل سبيلاً !
وهل نستطع أن نترك اللهو والعبث ، ونبتعد عن كل خلل ، ونجفو كل زلل !
إن التأمل في هذه الحياة ، والتفكر في حقارة الدنيا وآلامها ، يجعل الإنسان في صدود عنها ، وإعراض عن زخارفها .
أحبابي لتكن الأربعين درساً لنا في التوبة والرشد ، ولنقبل على نفوسنا تهذيباً وتطهيراً ولنطرها على الحق أطراً ، فطالما أسرتنا بشهواتها وملذاتها ! دعونا نقتص من أنفسنا ونتغلب عليها حتى نكون وإياها في الملاذ الآمن والملجأ الوادع !
لتكن العزيمة شعارنا ، وليكن الحزم حاكمنا !
أُخيَّ ! أربعون عاماً عشتها في رحاب الدنيا ، صحيحاً قوياً معافىً ، قضيتها في رغد من العيش وسعة من الرزق !
اعمل شكراً بعد توالي هذه النعم ، واسعَ حمداً على تتابع هذه المنح .
لا تدري كم بقي لك من أنفاس ! ولا تعلم كم تمكث من أيام !
لا تغتر بقوتك ، ولا تعتز بجبروتك ، فأنت مقبل على وهن ، وقادم إلى ضعف !!
أُمهلت عمراً مديداً وزمنا طويلاً ، فهل أنت من المعتبرين ! وهل تكون من الناجين !
آهٍ لعمرٍ مضى ! وآهٍ للذةٍ ذهبت !
تدارك - أيها المبارك - ما بقي لك من حياة ،
فربما ساعات الأجل دنت ، ولعل يوم الرحيل قد اقترب !
آن أوان الإنابة ، وحان وقت الأوبة ، وبدأ زمن التوبة ، ضع حداً لوقت اللهو، وأحسن فيما بقي ، يغفر لك ما قد سبق .
بع لذة زائلة بجنة عالية ، قطوفها دانية !
جعلتُ وإياك ووالدينا متقابلين فيها !


محمد عبدالرحمن الرغيان
أبوياسر
Aboyasr80@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق